بِـسْـمِ اللّهِ الـرَّحْـمـنِ الـرَّحِـيـمِ
اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ الاْوصياءِ الْمَرْضِيِّينَ، وَاكْفِني ما اَهَمَّني مِنْ اَمْرِ الدُّنْيا وَالاخِرَةِ يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
*
الإمام علي (ع) يعبدُ الله وعمره ثلاث سنوات
يقيناً أن أمير المؤمنين(ع) هو أول من اسلم أي أول من دعي وأول من أجاب هذه الدعوة الإلهية العظمى وبأمر الهي وهذا يدل على فضله وكماله الذي فاق كل الكاملين وان نفسه الشريفة وصلت إلى درجة المشاكلة مع نفس سيد الأنبياء والمرسلين (ص) طبقاً للنصوص القرآنية والتي منها قوله تعالى :{ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ}آل عمران/61
وطبقاً للنصوص النبوية الشريفة والتي منها قوله (ص) :لأمير المؤمنين(ع) : ( أنت أخي في الدنيا والآخرة ) .
وتعد هذه إحدى أعظم مراتبه وكل مراتبه عظيمة .
كل هذا وعمره الشريف عشر سنوات أي انه لم يبلغ الحلم بعد بل ما زال في مرحلة الصبا .
ولكن الأكثر إعجازاً وعجباً وكله إعجاز وعجب ، انه (ع) كان يعبد الله ويعرف الله قبل نزول الإسلام بسبع سنوات كما في بعض الروايات أي إن عمره ثلاث سنوات فقط .
وقد يعتبر البعض هذا غلواً أو مبالغةً ولكني سأستدل على هذا بروايات من كتب المذاهب الإسلامية الأخرى :
روى بن أبي الحديد ألمعتزلي في [شرح النهج] عن أمير المؤمنين (ع) هاتين الروايتين :
1-عنه(ع)لقد عبدت الله قبل أن يعبده احد من هذه الأمة بسبع سنين) .
2- وعنه(ع) : ( كنت اسمع الصوت وأبصر الضوء سنين سبعاً ) .
وقال بن أبي الحديد بعد ذكر هذين الحديثين :
ورسول الله صلى الله عليه واله حينئذٍ صامت ما أذن له في الإنذار والتبليغ وذلك لأنه إذا كان عمره -أي الإمام (ع)- يوم إظهار الدعوة ثلاثة عشر سنة وتسليمه إلى رسول الله صلى الله عليه واله من أبيه وهو ابن ست فقد صح انه كان يعبد الله قبل الناس باجمعهم سبع سنين وابن ست تصح منه العبادة إذا كان ذا تمييز على أن عبادة مثله هي التعظيم والإجلال وخشوع القلب واستخذاء الجوارح إذا شاهد شيئاً من جلال الله سبحانه وآياته الباهرة ومثل هذا موجود في الصبيان .
أقـــــــول :
أولاًًً : المشهور عند المؤرخين انه اسلم وعمره عشر سنوات واستشهد وعمره ثلاثة وستون عاماً وهو العمر النبوي .
وتفصيل ذلك :
- عمره يوم اسلم عشر سنوات .
- بقي مع النبي(ص) في مكة ثلاثة عشر سنة .
- بقي مع النبي (ص) في المدينة عشر سنوات .
- عاش بعد النبي (ص) ثلاثين سنة .
- فمجموع ذلك ثلاث وستون سنة .
فإذا اسلم وعمره عشر سنوات كان يعبد الله قبل الناس بسبع سنوات و كان عمره يوم عبَََدَ الله قبل الناس (ثلاث سنوات) .
وهذا يعتبر إعجازاً لأنه لم يعهد من احد انه يعبد الله ويعرفه في هذه السن غير من خصهم الله سبحانه بذلك من خلفائه (ع) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثانياً: قال ابن أبي الحديد : وابن ست تصح منه العبادة .
أقـــــــول :
هذا القول حكم فقهي إسلامي حيث قال الفقهاء بصحة العبادة من الصبي المميز من صلاة وصوم وغير ذلك .
وعبادة الإمام (ع) كانت قبل الإسلام وهي لم تكن صلاة كصلاة الإسلام وما شاكل ذلك .
وخلاصة القول : إن هذه العبادة التي قبل الإسلام لا نحكم عليها من الناحية الفقهية بأحكام الإسلام .
وبعبارة أخرى : هي محض عناية إلهية خاصة تأخذ شكلاً ومنهاجاً خاصين ويمكن القول أنها من إرهاصات الإمامة لأمير المؤمنين (ع) كما هو حال مولده الشريف في الكعبة المشرفة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثالثاً : قال ابن أبي الحديد : على أن عبادة مثله هي التعظيم والإجلال ...... الخ .
أقــــــــــول :
هذا الكلام وان كان في حد ذاته صحيحاً ولكنه غير تام وان صح أن يقال في تعريف العبادة : أنها هي الخضوع لجهة يعتقد أنها الإله .
ويمكننا الاستدلال بدليلين على أن العبادة التي كان يمارسها آنذآك لم تقتصر على التعظيم القلبي ...
الأول : انه(ع) قد تربى في حجر رسول صلى الله عليه واله منذ المهد وكان يتبعه كالظل له وهو متأثر به كل التأثر ومقتدٍ به كل الاقتداء ومن المعلوم قطعاً أن النبي(ص) كان يعبد الله قبل الإسلام بل كان نبياً قبل الإسلام سواءٌ بالنبوة الخاصة أم النبوة العامة أم بالخاصة والعامة ولكنه لم يؤذن له بالتبليغ قبل نزول الوحي ومقتضى هذا انه كان مقتدياً به في الأفعال والأقوال خصوصاً كونه يذهب معه إلى غار حراء المكان الذي يتفرغ فيه لعبادة الله بالقول والعمل .
الثاني : انه(ع) قال: ( لقد عبدت الله ) إن معنى العبادة لله تعالى في مفهوم عموم المسلمين تعني العقيدة والعمل والإمام(ع) في هذا الحديث يخاطب المسلمين لان هذا الحديث وقع في الإسلام خصوصاً من مقابلة عبادته بعبادة هذه الأمة ( لقد عبدت الله )( قبل أن يعبده احد من هذه الأمة) ولو من حيث الأصل فيكون المعنى أن عبادة هذه الأمة هي العقيدة والقول والعمل وكذلك عبادته كانت كذلك ولو من حيث الأصل .
يضاف إلى ذلك إن كلمة ( عبدت الله ) جاءت على إطلاقها فلماذا نقيدها بدون وجود مقيد ؟! .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابعاً : قال ابن أبي الحديد : ومثل هذا موجود في الصبيان .
أقــــــــــــول :
فهل سمعت إذن سامع في سالف العصر أم في حاضره أن طفلاً له ثلاث سنوات يعرف الله بحجم هذه المعرفة التي كانت لأمير المؤمنين (ع) ويعبده لكونه قدعرفه هذه المعرفة التامة ؟!
ثم إن كانت هذه العبادة تحصل لغيره من الصبيان فأنني اتساءل :
هل حصل ذلك قبل الإسلام أم بعده ؟
فإن كان قبل الإسلام :
فهل يحصل بمعلم أم بغير معلم ؟
فإن كان يحصل بمعلم فمن ذلك المعلم يا ترى ؟
أهو من جملة عبدة الأوثان ؟! ففاقد الشيء لا يعطيه وهذا حال المجتمع آنذاك .
وان كان يحصل بغير معلم فمن هذا يا ترى الذي يكون كذلك قبل الإسلام في الجاهلية ؟ لا يمكن أن يكون احد كذلك ولو كان لبان اللهم إلا رسول الله(ص) وأمير المؤمنين(ع) والمفروض أن ابن أبي الحديد لا يقصد هذا ولا ذاك بل شخصية أخرى فمن هذا ومن يكون ؟! دلني عليه والحقيقة انه لا توجد آنذآك بعد رسول الله (ص) إلا شخصية واحدة فريدة بين الخلق انه أمير المؤمنين(ع) .
تأملوا جيداً طفل عمره ثلاث سنوات في مجتمع يعبد الأصنام وفي مستنقع الجهل يخرج من بينهم ليتعرف على الله حق المعرفة ويعبده حق العبادة أليس هذا هو الكمال؟ بل والإعجاز ذاته ؟ .
وإن كان يحصل مثل هذا للصبيان في الإسلام .
فهل يحصل بمعلم أم بغير معلم ؟
وإذا كان بمعلم فمن هو المعلم؟ هل هو المعصوم أم غير المعصوم ؟
فإن كان المعصوم : فمن المتعلم هل هم معصوم أيضا أم غير معصوم ؟
فإن كان كلاهما معصومين فلا كلام فكلاهما في عالم الكمال .
وان كان المتعلم غير المعصوم : فهل الحالة حالة إعجاز ؟
إذا كانت الإجابة نعم فلا مانع أن يتعلم من عمره ثلاث سنوات عن طريق الإعجاز ولكنه مع ذلك لن يرتقي إلى درجة المعصوم اعني لن يرتقي إلى درجة أمير المؤمنين (ع) لما كان عمره ثلاث سنوات .
وان كانت الحالة غير إعجازية فالأمر طبيعي إذن وعليه فدرجة تلقي المتعلم هي الطبيعية والمتعارفه .
وحاصلها عدم وجود حالة بل واستحالة وجود حالة كأمير المؤمنين(ع) في هذه السن .
وان قيل توجد حالة كأمير المؤمنين(ع) للصبيان في هذه السن دون معلم فهذا محال اللهم إلا لأحد المعصومين (ع) لان السنخية واحدة وحكم الأمثال فيما يجوز وما لا يجوز واحد فتأمل .
وخلا صة القول : لا يوجد كأمير المؤمنين (ع) في هذه المرحلة من العمر احد من الصبيان فهذا محال وان قلت يوجد – من غير ذوي السنخ – فدلني عليه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
خامساً: الرواية الثانية التي رواها ابن أبي الحديد ألمعتزلي وهي : قوله (ع) : ( كنت اسمع الصوت وأبصر الضوء سنين سبعاً ) .
أقـــــــــول :
إنني اتساءل ما هو الصوت الذي كان يسمعه أمير المؤمنين (ع) ؟
وما هو الضوء الذي كان يبصره (ع) ؟
للإجابة يمكننا أن نضع هذه الاحتمالات التالية :
1- أن المراد بالصوت هو صوت النبي (ص) والضوء ضوءه(ص).
2- أن المراد بالصوت هو صوت الملائكة والضوء ضوءهم .
3-أن المراد بالصوت هو صوت روح القدس والضوء ضوءه .
فعلى الاحتمال الأول : يمكن أن نوجه المعنى هكذا :
إن صوت النبي(ص) وهو يعبد الله ويناجيه بما علمه الله تعالى يسمعه أمير المؤمنين(ع) خصوصاً وانه كان يذهب معه في غار حراء فيراه ويسمعه ولا يراه ولا يسمعه احد غيره فتأمل .
وإن ضوء النبوة العظمى الخاتمة وضوء الإمامة الكبرى في رسول الله (ص) كان أمير المؤمنين (ع) يراه ولا يراه غيره .
وعلى الاحتمال الثاني : يمكن أن نوجه المعنى هكذا :
وهو أن الملائكة المرسلة من قِبل الله تعالى إلى النبي(ص) والمحيطة به (ص) كانت تحدث النبي(ص) والإمام (ع) كان يسمع ذلك الصوت ويرى ذلك الضوء وذلك لتمام كماله .
وعلى الاحتمال الثالث : يمكن أن نوجه المعنى هكذا :
وهو أن روح القدس الذي كان ملازماً لرسول الله (ص) والذي كان يتحدث معه (ص) كان الإمام (ع) يسمع صوته ويرى الضوء .
والأرجح من هذه الاحتمالات الثلاثة المتقدمة هو الثاني والثالث وذلك :
لان صوت النبي(ص) أثناء عبادته ومناجاته لله تعالى إذا احتملنا انه لم يسمعه احد فهذا لا يعني انه لايمكن أن يسمعه أي احد وهو يعبد الله ويناجيه إذ من الممكن حصول ذلك خصوصاً لخديجة زوجته .
وأما رؤية وسماع المَلك وروح القدس فهي التي لا تتحقق إلا لحجج الله وأوليائه ويدعم هذا القول روايات متعددة مفادها أن علياً (ع) يسمع مايسمع النبي (ص) وكذلك يرى ما يراه (ص) إلا انه ليس بنبي وسنذكر في آخر هذا البحث رواية واحدة من هذا النوع .
وبما أن ابن أبي الحديد ساق الحديثين في مساق واحد ليستدل بهما معاً وفي آن واحد على أن أمير المؤمنين(ع) كان يعبد الله قبل الإسلام بسبع سنوات وعلى رأيه في السادسة من عمره فإننا نتعجب كيف يقول بعد ذلك : ومثل هذا موجود في الصبيان .!
ونتساءل هل كل صبي يسمع الصوت ويرى الضوء ؟!
أم أن هذا من مختصات أمير المؤمنين(ع) .
دققوا جيداً وتأملوا في الروايتين تجدون انه :
1) في الرواية الأولىقال : (ع) لقد عبدت الله قبل أن يعبده احد من هذه الامة بسبع سنوات )
لاحظوا كلمة (عبدت الله) وكلمة (قبل أن يعبده احد )
أي أن الناس بعد هذه الفترة عبدوا الله كما عبده أمير المؤمنين(ع) قبلهم وهو في الثالثة من عمره ولو من حيث أصل العبادة مع فارق النوع والكيف أي أن معرفة الله تعالى وعبادته عند أمير المؤمنين (ع) تختلف عن معرفة وعبادة أي شخص أخر، وأما من حيث أصل العبادة فهو يعبد الله وهم يعبدون الله تعالى فتأمل .
2) وفي الرواية الثانية قال (ع) : ( كنت أسمع الصوت وأبصر الضوء سنين سبعاً ) .
لاحظوا هذه الرواية لم يقل الإمام (ع) بأنه يسمع الصوت ويبصر الضوء قبل أن يسمعه ويبصره احد من هذه الأمة .
لان هذه المرتبة له فقط دون غيره فلا احد مؤهل للو صول إلى هذه الدرجة سواه فهو(ع) نفس النبي (ص) فلاحظ هذا جيداً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
سادساً: توجد عندنا روايات مفادها أن أمير المؤمنين(ع) يسمع ويرى ما يسمعه النبي ويراه إلا أن الإمام (ع) ليس نبياً بل النبوة والرسالة والوحي مختصةً برسول الله (ص) فقط دون غيره .
ومن جملة الروايات في هذا الصدد الرواية التالية والتي رواها الحر ألعاملي في وسائل الشيعة :
عن علي ابن ابراهيم عن أبيه عن ابن أبي عُمَير عن حماد عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (الصادق[ع]) قال : ( لما هبط جبرئيل (ع) بالأذان على رسول الله (ص) كان رأسه في حجر علي(ع) فأذن جرئيل وأقام فلما انتبه رسول الله(ص) .
قال : يا علي سمعت ؟
قال : نعم
قال : حفضت ؟
قال : نعم
قال : أدعُ لي بلالاً نعلمه
فدعا علي (ع) بلالاً فعلمه ) .
فقد يستغرب البعض من هذا الكلام ويعتبر هذا مبالغة في حق أمير المؤمنين (ع) إلا انه توجد روايات في بعض كتب علماء المذاهب الإسلامية الأخرى مطابقةً في معناها وربما في ألفاظها لأمثال هذه الروايات المجودة في كتب الشيعة .
وهذه الرواية الثانية التي رواها ابن أبي الحديد في شرح النهج اعني قوله (ع) : ( كنت اسمع الصوت وأبصر الضوء سنين سبعاً) مطابقة في معناها لمعنى أمثال هذه الروايات في كتب الشيعة في حق علي (ع)، والمضمون واحد:
في أن أمير المؤمنين (ع) يرتقي من حيث المرتبة و من حيث المقام والمشاكلة مع النبي(ص) إلى هذه الدرجة وهي انه يسمع ويرى ما يسمع النبي(ص) ويراه(ص) إلا انه ليس بنبي وليس يوحى إليه فتأملوا ذلك جيداً .
والحمد الله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
دًٍمًتُِِّْمً بٌَِخٌِيَرٌٍ ،،
نْسٌِِّآلكَمً خٌِآلصٍْ آلدًٍعًٍآء
خادمة ال البيت غريب طوس